في حوار مع "الصحيفة".. رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا: بناء هوية مسلمة في السياق الألماني يعني التوفيق بين الثبات على القيم الإسلامية والانفتاح على قيم المجتمع الديمقراطي

 في حوار مع "الصحيفة".. رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا:  بناء هوية مسلمة في السياق الألماني يعني التوفيق بين الثبات على القيم الإسلامية والانفتاح على قيم المجتمع الديمقراطي
حاروه - عبد الرحمان عمار (ألمانيا)
الخميس 19 يونيو 2025 - 19:33

عبد الصمد اليزيدي هو رئيس المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا منذ 2004، بعد أن شغل منصب الأمين العام لذات المجلس لسنوات، هو واحد من أبرز الأصوات التي تُعبّر عن هموم وتطلعات المسلمين في البلاد. 

ولد اليزيدي لأبوين مغربيين وجمع في مسيرته بين عمله في مؤسسات ألمانية والتزام عميق بالعمل المجتمعي والديني، حيث لعب دورًا محوريًا في تعزيز الحوار بين الأديان، ومكافحة الإسلاموفوبيا، والدفاع عن مبادئ الاندماج على أساس الاحترام المتبادل والتعددية.

في هذا الحوار مع "الصحيفة" يسلّط الضوء على التحديات التي تواجه المسلمين في ألمانيا، من قضايا الهوية والاندماج، إلى دور الدولة والمجتمع في ضمان العدالة الدينية والاجتماعية.

الشباب المسلم في ألمانيا يعيش حالة من التوتر بين الانتماء والإحساس بالإقصاء. فمن جهة، يشعر كثير منهم بأنهم جزء أصيل من هذا المجتمع: يتحدثون لغته، يلتزمون بقوانينه، ويشاركون في مدارسه وجامعاته ومؤسساته. ومن جهة أخرى، يواجهون خطابات سياسية وإعلامية تشكك في انتمائهم، وتربط هويتهم الدينية بالولاء المزدوج أو بالتطرف

مصطلح "الثقافة الألمانية الرائدة" يعتبر مصطلح فضفاض وإقصائي، وكأنه يفرض على الآخر التخلي عن جزء من هويته كي يُقبل. لهذا يطالب كثير من الشباب بالاعتراف بهويتهم المركّبة: ألمان ومسلمون في آن واحد، دون تناقض

ما نحتاج إليه هو خطاب وطني جامع يعترف بتعدد الهويات في إطار القيم الديمقراطية، ويبتعد عن فرض نماذج ثقافية أحادية كمقياس للانتماء أو الاندماج.

بناء هوية مسلمة في السياق الألماني يعني التوفيق بين الثبات على القيم الإسلامية والانفتاح على قيم المجتمع الديمقراطي، مثل الحرية، التعددية، والمساواة. وروح الإسلام في جوهرها تدعو إلى الانخراط الإيجابي في المجتمعات، والتعاون مع الآخر من أجل رخاء الأوطان وازدهارها، وقد جسد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هذا المفهوم عمليًا في المدينة المنورة من خلال "وثيقة المدينة"، التي تُعدّ أول دستور مدني عرفه التاريخ.

والتحدي الحقيقي لا يكمن في تعارض الإسلام مع الحياة في ألمانيا، بل في وجود تيارين متطرفين: تيار عنصري يرفض المسلمين ويقصيهم من الحياة العامة، وتيار متشدد باسم الإسلام يدعو إلى الانغلاق ورفض الآخر. وهذان التياران وجهان لعملة واحدة، ويتطلب الأمر من الجميع مواجهتهما بحزم، عبر تعزيز المشاركة والانفتاح وبناء خطاب ديني وعقلاني يعبر عن القيم الإسلامية وينسجم مع مقتضيات الحياة الديمقراطية.

رفع الأذان عبر مكبرات الصوت في بعض المدن الألمانية يجب أن يُفهم في إطاره الطبيعي كجزء من حرية ممارسة الشعائر الدينية، التي يكفلها الدستور الألماني. كما أن الأذان لا يقلّ عن أجراس الكنائس في وظيفته الرمزية والدينية، وهو تعبير سلمي عن وجود المسلمين كمكوّن طبيعي من مكوّنات المجتمع الألماني.

نحن لا نطالب بفرض الأذان، بل بمبدأ المساواة في الحقوق الدينية. وكل تجربة في هذا الاتجاه – كما حدث في كولن مثلًا – تمت بتفاهم محلي واحترام للضوابط القانونية. وهذا بحد ذاته يُعد خطوة في اتجاه الاندماج، لأنه يعكس الاحترام المتبادل والاعتراف بالتنوع الديني. أما من يحوّل الموضوع إلى جدل أيديولوجي، فهو في الحقيقة يُوظّف الدين كأداة سياسية لتغذية الانقسام.

حتى الآن، تبقى جهود الدولة الألمانية في مجال تدريب الأئمة محليًا خطوة أولى غير كافية وتفتقد إلى رؤية شمولية ومستدامة. فرغم أهمية إنشاء مراكز أكاديمية لتأهيل الأئمة، إلا أن هذه المشاريع لا تزال محدودة من حيث عدد الخريجين وتأثيرها العملي على واقع المساجد في البلاد.

ما نحتاجه فعليًا هو برنامج متكامل يُعطي الأولوية لتكوين أئمة نشأوا في ألمانيا، يستوعبون سياقها القانوني والاجتماعي والثقافي، ويتقنون لغتها، مع ضمان احترام حرية المعتقد وعدم التدخل في المضمون الديني.

يُلاحظ أيضًا أن البرامج الحالية تُركّز بشكل كبير على الجانب الأكاديمي، وتُهمل الجوانب الروحية والعملية التي يحتاجها الإمام والمرشدة الدينية في أداء مهامهم اليومية، مما يؤدي إلى فجوة بين التكوين النظري واحتياجات المجتمع الإسلامي.

وفي هذا السياق، نعتبر أن نموذج الأكاديمية الإسلامية الألمانية  (IKD)، التي يُعدّ المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أحد مؤسسيها بالشراكة مع الحكومة الألمانية، هو الأقرب لتلبية هذه الحاجيات الواقعية. ونُثمن انفتاح الأكاديمية على التعاون مع كبريات الجامعات الإسلامية العريقة، مثل جامعة القرويين بالمغرب والأزهر الشريف، حيث سُجّل مؤخرًا توقيع اتفاقية نوايا للتعاون مع المملكة المغربية، وهو تطور واعد يُبشر بمزيد من التكامل والنجاح.
نحن منفتحون على مواصلة التعاون مع مختلف الجهات الرسمية والأكاديمية، ونؤكد في الوقت نفسه على ضرورة إشراك المؤسسات الإسلامية في تصميم وتنفيذ هذه البرامج، بما يضمن احترام خصوصيتها واستقلاليتها، ويعزز في ذات الوقت الكفاءة والتجذّر في السياق المحلي الألماني.

الأزمات الدولية، وعلى رأسها الصراع في الشرق الأوسط، تلقي بظلالها على المجتمعات المسلمة في أوروبا، وخاصة في ألمانيا. نلاحظ في كل موجة تصعيد أو توتر دولي، زيادة في الاستقطاب الداخلي، وتراجع منسوب الثقة بين مكونات المجتمع.

غالبًا ما يتم تحميل المسلمين في ألمانيا مسؤولية مواقف أو أفعال لا علاقة لهم بها، مما يعزز مشاعر الغضب والخذلان، خصوصًا في أوساط الشباب. كما تستغل بعض الأطراف المتطرفة هذه الأزمات للتحريض وتأجيج الكراهية، سواء من اليمين الشعبوي أو من جماعات متشددة تتغذى على المظلومية.

كمجلس أعلى للمسلمين، نؤكد دائمًا أن مسلمي ألمانيا جزء من نسيج هذا المجتمع، لا ينبغي التعامل معهم كامتداد لصراعات خارجية. ونحرص على دعم خطاب يعلي من شأن التماسك الاجتماعي، ويُدين جميع أشكال العنف والتمييز، بغض النظر عن مصدرها.

التحدي الأكبر في مثل هذه اللحظات هو الحفاظ على الحوار، ومواصلة بناء جسور الثقة، ومقاومة محاولات التفرقة، مع ضرورة تحمل الإعلام والسياسيين لمسؤولياتهم في ضبط الخطاب العام وتفادي التعميم.

رغم أنني نشأت وتكوّنت في مجال علمي وتقني بعيد عن العلوم الشرعية، فقد كنت دائمًا أؤمن بأن خدمة الناس، وخاصة المسلمين في وطني ألمانيا، من أرقى سُبل التقرب إلى الله عز وجل. وقد وجدت في العمل الإسلامي طريقًا للانخراط في قضايا الهوية والكرامة والاندماج والعدالة الاجتماعية، وهي قضايا تمسّ واقعنا ولا تحتمل الحياد.

وأعتبر هذا الانخراط أيضًا شكلًا من ردّ الجميل لمؤسسة المسجد، التي علّمتني اللغة العربية وساهمت في ترسيخ هويتي الدينية المعتدلة. وما زلت أستحضر تلك اللحظات التي كنت أرافق فيها والدي، الذي عمل إمامًا وخطيبًا متطوعًا في عدد من المساجد إلى جانب وظيفته، قبل أن يعود إلى وطننا المغرب بعد بلوغه سن التقاعد. 

اختياري لهذا المسار جاء بدافع شعور بالمسؤولية تجاه أجيال من المسلمين تحتاج لمن يعبّر عن طموحاتها، ويدافع عن حقوقها، ويبني جسور التفاهم بينها وبين المجتمع، دون التفريط في ثوابتها الدينية.

 أما ارتباطي بمسقط رأس والدي وبلدي الحبيب، فله بُعد وجداني وثقافي وروحي دائم. أتابع باهتمام ما تنشره الصحافة المغربية، وأعتز بانتمائي للمدرسة المالكية التي تُجسد اعتدال الفقه المغربي وأصالته، وأسعى لنقل هذا الموروث بروح معاصرة وفهم منفتح إلى السياق الأوروبي. وأؤمن بأن الجمع بين الانتماء للوطن الأصلي والانخراط الكامل في المجتمع الألماني ليس تناقضًا، بل هو مصدر غنى وهوية مركّبة أعتز بها وأسعى لترجمتها في كل ما أقوم به.

ما يجب قوله للإسبان في مدريد؟

في الوقت الذي تعقد فيه الحكومة الإسبانية ونظيرتها المغربية، اليوم الخميس، بمدريد الدورة الثالثة عشرة من الاجتماع الرفيع المستوى، مع ما يعكس ذلك من تطور كبير في العلاقات الثنائية بين ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...